غزوة بدر (الكبرى)
من المعلوم أن أنبياء الله ورسله السابقين لم يكونوا جميعا مأمورين بالجهاد وقد قص الله عز وجل علينا نبأ صالح وشعيب وهود وغيرهم عليهم السلام ، وأخبر أن القضية بينهم وبين قومهم أنهم يدعونهم إلى الله فيطالب الناس بأية ، فتأتي الأية ثم يأتي العذاب على الكفار وينجي الله المؤمنين ، كما وقع في عاد وثمود وقوم نوح ، والذي يظهر أن الجهاد كانت بداية تشريعه في زمن موسى عليه السلام ، وشرع الجهاد في الإسلام بعدما هاجر النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .
لماذا سميت غزوة بدر بالكبرى :
أطلق عليها الكبرى للتفريق بين غزوتين لبدر أخريين، الأولى تسمى بدر الصغرى أو بدر الأولى وقد وقعت قبل بدر الكبرى ولم يحدث فيها قتال ، والثانية تسمى بدر الموعد وهي بعد بدر الكبرى ولم يقع فيها القتال أيضا ، وبقيت يدر الكبرى التي وقع فيها القتال
أسباب الغزوة :
خرج المسلمين المهاجرين من مكة إلى يثرب (المدينة المنورة) تاركين أموالهم وديارهم ، فستحلت قريش أموالهم وديارهم ،
وكان لقريش عيرا عائدة من الشام تحمل ثروات لكبار أهل مكة ورؤسائها ولم يكن معها من الحراس إلا قليل ، فكانت فرصة ذهبية للمسلمين ليصيبوا أهل مكة بضربة اقتصادية قاصمة، تتألم لها قلوبهم على مر العصور، لذلك أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: (هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها).
ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى أن يظفروا بها ولم يكن هنالك قتال حتى يندب الناس إليه نفيرا عاما ، فلم يعزم على أحد بالخروج، بل ترك الأمر للرغبة المطلقة، لأنه لم يكن يتوقع عند هذا الانتداب أنه سيصطدم بجيش مكة فتخلف كثير من الصحابة في المدينة .
لما علم أبو سفيان أن محمد صلى الله عليه وسلم قد استنفر اصحابه ليوقعوا بالعير ، أرسل رجل اسمه ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة مستصرخاً لقريش بالنفير إلى عيرهم؛ ليمنعوه من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وخرج ضمضم سريعاً حتى أتى مكة، فخرخ ببطن الوادي واقفاً على بعيره، وقد جدع أنفه وحول رحله، وشقق قميصه، وهو يقول: يا معشر قريش، اللطيمة، اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث... الغوث.
السير إلى بدر :
المسلمين
واستعد رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج ومعه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ـ 313، أو 314، أو 317 رجلاً ـ 82 أو 83 أو 86 من المهاجرين و 61 من الأوس و 170 من الخرزج. ولم يحتفلوا لهذا الخروج احتفالا بليغا، ولا اتخذوا أهبتهم كاملة، فلم يكن معهم إلا فرس أو فرسان: فرس للزبير بن العوام، وفرس للمقداد بن الأسود الكندي، وكان معهم سبعون بعيرا يعتقب الرجلان والثلاثة على بعير واحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيراً واحد.
جيش قريش
تجهزت قريش وجمعت الجيش وحشدوا من حولهم من قبائل العرب وبطون قريش وكان من لم يخرج يجهز رجلا بدلا عنه ، فكانوا نحو ألف وثلاثمئة مقاتل ، وكان معه مائة فرس وستمائة دِرْع، وجمال كثيرة لا يعرف عددها بالضبط، وكان قائده العام أبا جهل ابن هشام وخرجوا من مكة كما وصفهم الله قال : {بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ} [الأنفال:47
المعركة ونجاة العير :
وفي طريقهم لقتال المسلمين كان أبوسفيان قد أتخذ طريقا أخر وأرسل مبعوث يخبرهم أن إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا ، فوقع الخلاف في الجيش واراد بعضهم الرجوع ولكن أبوجهل رفض قائلًا: والله لا نرجع حتى نرد بدرًا، فنقيم بها ثلاثًا، فننحر الجَزُور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف لنا القِيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يـزالون يهابوننا أبدًا.
فلم يرجع من الجيش إلا بنو زهرة وكان عددهم قرابة ثلاثامئة ، وسار الجيش حتى نزل عند بدر ، فعلم المسلمون أنه لامجال لاجتناب اللقاء بجيش قريش ، وحينئذ تزعزع قلوب فريق من الناس،وخافوا اللقاء الدامى،وهم الذين قال الله فيهم: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} [الأنفال:5، 6]
وأمــا قادة الجيش فقـام أبو بكر الصديق فقال وأحسن،ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن،ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لما أراك الله،فنحن معك،والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْك الغِمَاد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه.
وكان هؤلاء القادة الثلاثة كانوا من المهاجرين، وهم أقلية في الجيش، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرف رأي قادة الأنصار؛ لأنهم كانوا يمثلون أغلبية الجيش، ولأن ثقل المعركة سيدور على كواهلهم، وكانت نصوص بيعة العقبة لم تكن تلزمهم بالقتال خارج ديارهم ، فقال بعد سماع كلام هؤلاء القادة الثلاثة: (أشيروا علىّ أيها الناس) وإنما يريد الأنصار، وفطن إلى ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ.
فقال: والله، ولكأنك تريدنا يا رسول الله؟
قال: (أجل).
قال: فقد آمنا بك، فصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصُبُر في الحرب، صُدَّق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تَقَرَّ به عينك، فسِرْ بنا على بركة الله.
فَسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: (سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدنى إحدى الطائفتين، والله لكإني الآن أنظر إلى مصارع القوم).
بداية المعركة
تحرك جيش المسلمين وسبق قريش إلى ماء بدر ، واجتمع الجيشان في بدر يعبئون الصفوف ومشى في موضع المعركة، وهو يشير بيده: (هذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله). ثم بات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبات المسلمون ليلتهم ، وأخذوا من الراحة قسطهم؛ يأملون أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحًا: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال:11].
ارسلت قريش رجلا ليحصي عدد المسلمين فلما رجع قال هم ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون ، ولكنى قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلًا منكم،فإذا أصابوا منكم أعدادكم فما خير العيش بعد ذلك؟ فنظروا رأيكم .
فقال عتبة بن ربيعة يامعشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدًا وأصحابه شيئًا، والله لئن أصبتموه لايزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلًا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك فعزه عزكم
فقال أبو جهل: انتفخ والله سَحْرُهُ حين رأي محمدًا وأصحابه، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأي أن محمدًا وأصحابه أكلة جَزُور، وفيهم ابنه وهو أبو حذيفة بن عتبة كان قد أسلم قديمًا وهاجر فَتَخَوَّفَكُمْ عليه.
قال عتبة: سيعلم مُصَفِّر اسْتَه من انتفخ سحره، أنا أم هو .
فلما تقابل الجيشان للقتال استفتح أبو جهل في ذلك اليوم فقال: اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لانعرفه،فأحِنْه الغداة،اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم، وفي ذلك أنزل الله: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:19]
فكان اول من خرج للقتال ثلاثة من خيرة فرسان قريش كانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة
وطلبوا المبارزة ، فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار. قالوا: أكِِفَّاء كرام، ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا على)، فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا: من أنتم؟ فأخبروهم، فقالوا: أنتم أكفاء كرام، فبارز عبيدة ـ وكان أسن القوم ـ عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز على الوليد
وقتل عتبة واخوه وولده .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك)، حتى إذا حَمِىَ الوَطِيسُ، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال، وبلغت المعركة قمتها، قال: (اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا).
فأنزل الله عز وجل وأوحى الله إلى ملائكته: {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ} [الأنفال: 12]،وأوحى إلى رسوله: {أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9]
نتائج المعركة :
نتهت المعركة بهزيمة ساحقة بالنسبة للمشركين، وبفتح مبين بالنسبة للمسلمين، وقد استشهد من المسلمين في هذه المعركة أربعة عشر رجلًا، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار
فهزمت قريش وقتل ابرز قاداتها بينهم ابوجهل وأمية بن خلف
وغنم المسلمون الغنائم وهذا ماحسن من وضعهم الاقتصادي
أسروا سبعين من المشركين .
مواضيع ذات صلة :
تعليقات
إرسال تعليق